مع أنّ مؤلف هذا الكتاب، الدكتور المنصف المرزوقي، قد انتقل – بفعلٍ تاريخيّ قام به ثوّار تونس الأحرار– من النّشاط الحقوقي النضاليّ إلى قمّة الهرم السياسيّ في بلده، فإنه يواصل طريقه بتفاؤلٍ أكبرَ وشعورٍ أعظمَ بالمسؤوليّة، وإن كان الرّجل قبل الثّورة "متفائلا لا علاجَ له". لقد كان تفاؤله صعب المراس حتّى بالنّسبة إلى الاستبداد العربيّ الّذي تدرّب على ترويض جموح المتفائلين. واستعصى على أمهر أجهزة البطش الأمنيّة والإعلاميّة المتخصّصة في معالجة الأمل كأنّه مرض.
تُشكّل المقالات المجموعة بين دفّتي هذا الكتاب كلًّا متماسكًا، ليس في ذهن كاتبها فحسب، ولا لأنَّها جُمِعت بين دفّتين لتبيان تكاملها كما يهدف الكاتب من إصدارها، بل لأنَّها تُجيب عن أسئلةٍ مختارةٍ بموجب أجندةٍ نهضويّة ونضاليّة في آنٍ معًا؛ والمجيبُ واحدٌ، والمنطلقات القيميّة واحدة. ولا يهمُّ صاحبَها كثيرًا -كما يقول بنفسه- أن تتبدّل الأفكارُ وأدوات التّحليل وتتطوّر، فالمهمّ هو الإخلاص للقيم نفسها والحفاظ على العقلانيّة في معالجة الموضوعات.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات