إنّ التقدّم الهائل الذي أحرزته علوم الحياة والفتوحات المذهلة التي حقّقتها، وكنوز المعرفة التي جمّعتها بنسق متسارع في مجال الحياة وبداياتها وآلياتها وتحوّلاتها، كلّ ذلك، أحدث تجديدا جذريّا في تصوّراتنا ومفاهيمنا، وزوّدنا في نفس الوقت بوسائل مبتكرة تُعَدّ تحدّيا لنظرتنا التقليديّة للعالم ولمعتقداتنا وحسّاسياتنا. ولابدّ – حتى لا تكون باطلة – من إعادة النظر فيها وتعديلها. وليس المقصود هنا اتّهام العلم، لكن لابدّ من التذكير بأنّ الهياكل الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة حريصة على «إدماج » نتائج العلم للاستفادة منها بدراية ورويّة غالبا، ولكن ليس دائما، مع الأسف ! كما أنّها تستمدّ منها تقانات ثمينة وتتولّى – بصفة مشروعة – تحويل المعرفة إلى مهارات. على هذا المستوى، تتدخّل المصالح ومقتضيات الربح، وكذلك مقتضيات لا تقلّ أهميّة، وهي السياسات سواء كانت سياسات العلم أو سياسات التّنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وتصبح إذ ذاك كل الانحرافات والانزلاقات ممكنة. فقد تصدم ضمائرنا ممارسات ناجمة لا محالة عن معرفة أفضل للحياة، لكنّها تسبّب انعكاسات خطيرة وغير منتظرة على الحياة، كالمناورات الجينيّة والاستنساخ واستعمال علم الجراثيم لأغراض هدّامة. فهل نرضى بأن تنقلب علوم الحياة على الحياة نفسها؟ كلّها امتدادات اقتضت من المشاركين في هذا الملتقى تفكيرا فلسفيّا وأخلاقيّا وقانونيّا قويما.