ما تزال الصُّوْرَةُ الفَنِّيَّةُ ومُقَوِّمَاتُهَا اللُّغَوِيَّةُ وَالنَّفْسِيَّةُ وَالجَمَالِيَّةُ من الحقول الغنيَّة في الدِّراسات النَّقدية والأسلوبيَّة، فضلاً على أنَّها الجوهر الثَّابت في الشِّعر، الذي يرتبط - كغيره من الفنون الأدبيَّة - بالمشاعر، وينبع من العواطف، التي ينشط فيها التَّصْوِيْرُ؛ إذ لا يُمكن تصوُّر شعرٍ خالٍ من الصورة.
فالصُّوْرَةُ بَاقِيَةٌ رَاسِخَةٌ؛ لأنَّهَا - كما قيل - "قاعدةُ حَيَاةِ الشِّعرِ، وَالمحكُ الرَّئيس للشَّاعِرِ، ومناطُ تَأَلُّقِهِ”.
وتوصف الصورةُ بِأَنَّها فَنِّيَّةٌ إِنْ أُرِيْدَ بها معنى أشمل وأخصّ وأعمق؛ حيث لا وقوف عند حُدود الفُنون البلاغيَّة، بل تتعدَّاها لتشمل طاقات اللُّغة الأخرى.
وَقَدْ تَطَوَّرَت الصُّوْرَةُ فِي الشِّعْرِ العَرَبِيِّ الحَدِيْثِ وَنَقْدِهِ فَوَلَجَتْ عَوَالِمَ فَسِيْحَةً أصبحت معها أَكْثَرَ عُمْقًا في غالب أحوالها، واتَّسَعَ مَفْهُوْمُهَا، وَغَزرَتْ مَعَانِيهَا، وَتَنَوَّعَتْ تَعْرِيْفَاتُهَا؛ تَبَعًا لِتَنَوُّعِ ثَقَافَةِ الأُدَبَاءِ وَالنُّقَّادِ، واختلاف مشاربهم واتجاهاتهم الفِكْرِيَّة.
والشِّعْرُ أَصْلٌ بَارِزٌ من كلام العرب، وشعر الرثاء من أهم الأغراض الشعرية، وأشدها وقعًا في النفس، وهو أحسن مناطق الشعر، ورِثَاءُ الوَالِدِ وَالوَلَدِ خاصة أَشْجَى المَرَاثِي، وَأَصْدَقُهَا، وَأَقْوَاهَا تَأْثِيرًا، وتزداد قيمة هذا البحث في كونه حديثًا عن الأصالة وتنقيبًا في التُّراث العربيِّ العريق الغني بالسِّمات الفنيَّة والإشارات الدَّالَّة على جماليَّة الشِّعر القديم.
وتضيف المقاربة الأسلوبية إِلَى الدِّراسات البلاغيَّة النَّقديَّة إضافات قيِّمة حين تقوم على التَّوشيج بين المنهج والتَّطبيق.
فالمنهجُ الأسلوبيُّ يتميَّز بالقُدرة على تتبُّع الخصائص الدَّقيقة للنَّصِّ الشِّعريِّ بمستوياته المختلفة والمتعدِّدة بصورة موضوعيَّة تنأى عن الانطباع والذاتيَّة، إلى جانب تميُّزه بالقُدْرَةِ على المزج بين الحديث والأصيل، فهو وإن ظهر منهجًا عصريَّا يأخذ من النَّظريَّات الحديثة فهو يقوم على علوم اللُّغة المختلفة التي أَسَّسَ لها العُلَمَاءُ العَرَبُ الأَوَائِلُ.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات