إنّ اهتمامنا بهذا السّفر لا يعني البتّة أنّنا نعدّ كلّ ما ورد فيه، من التّراكيب والوصفات والأدوية الباهيّة، من الحقائق الطّبيّة الثّابتة، يمكن اعتمادها في علاج الأمراض التّناسليّة للإنسان المعاصر، وخاصّة ما تعلّق منها بما اصطلح الأطبّاء وعلماء الأعشاب والحيوان والمعادن القدامى، على تسميته بـ«الخواصّ»، إضافة إلى «الأسماء والطّلاسم» الّتي تعرّض لها المصنّف في الباب قبل الأخير من هذا الجزء، فهي، في جوهرها، أقرب إلى السّحر منها إلى التّدابير الطبّيّة، المترتّبة عن الاختبار والتّجربة. وإنّما قصدنا، في تصدّينا لهذا السّفر، أن نؤرّخ لفترة مهمّة من تاريخ الطّبّ في العصر الوسيط، لا شكّ لدينا أنّ تسليط الضّوء عليها سيكون له انعكاسات كبيرة على حقل الأبحاث الأنتروبولوجيّة لكلّ الحضارات الّتي ساهمت، بكيفيّة أو بأخرى، في إنتاج هذه المعرفة، باعتبار أنّ الإبداع الطبّيّ، في إطار العالم الإسلاميّ والحضارة الّتي ازدهرت فيه، لم يكن حكرا على شعب، أو عرق، أو ديانة بعينها، بل كان نتاجا لكلّ الأعراق والملل الّتي كانت تحيا في ظلّ «الإمبراطوريّة» الإسلاميّة. مرادنا إذن أن نبرهن لمن لا يزال يعتقد أنّ الماضي استنبط حلولا أزليّة لكلّ المعضلات البشريّة (في شتّى مجالات الحياة، ومنها الطّبّ، يمكن الاقتصار عليها اليوم في مواجهة القضايا المستجدّة الّتي تجابه الإنسان المعاصر) أنّ هذه «العقيدة» هي من باب الوهم والمغالطة. وخلاصة قولنا، في هذا المقام، أنّ «حقائق الأمس» – إن جاز الحديث عن «حقائق» مطلقة، عصيّة على الباطل – لا يمكن أن تفيد إنسان اليوم، بل لعلّها تكون، إن هو تشبّث بها واقتصر عليها، سببا مهمّا من أسباب تعاسته وشقائه، بل وهلاكه.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات