السِّيميائيّة (...) مجالٌ علميٌّ عامٌّ وأفقيٌّ، يسترعي انتباهَ المتخصِّصين على اختلاف مشاربهم: من اللغويّ إلى الفيلسوف والأنثروبولوجي إلى عالِم الاجتماع والمؤرِّخ إلى الفنّان والمهندس المعماري وإلى الطّبيب وعالِم الرياضيات والفيزياء...إلخ.، فما من أحد من هؤلاء يستغني عن استكناه العلامة والإشارة والشَّكل والمضمون والبنية والدَّلالة والصّورة والأيقونة والتّشاكل والتّنافر والظّاهر والباطن... إلخ، كلٌّ من زاوية اهتمامه. لذلك أردنا أن يكون هذا المعجمُ - وقد بدا أقربَ إلى دائرةِ معارفَ Encyclopédie - أداةَ عملٍ ليس للُّغويّ أو البلاغيّ أو النّاقد فقط، وإنّما لكلِّ باحثٍ أو عالِمٍ منخرطٍ في مملكة العلامات ويَسْكنُه هاجسُ الضَّبْط لمفاتيح عِلْمِه التي هي "المصطلحات".
(...) تحوّلتْ مجتمعاتُنا اليوم إلى مجتمعاتٍ شبه سيميائيَّة، فالعالَم يكاد يستحيلُ إلى قريةٍ إلكترونية واحدة وصار الناس يتخاطبون بالعلامات والرموز أكثر ممّا يتخاطبون باللّغة، وهيمنت ثقافةُ الصّورة على التواصل اللُّغويّ، ولم يعد المجتمعون في مكان واحد-حتى من العائلة الواحدة - يمارسون الكلامَ بمَا يكفي، حتى غدا التَّواصلُ بينهم شبهَ آليٍّ، كلٌّ يسبحُ في عالَمِه السّيميائيّ الّذي يَخُصُّه، فتراجَع الكتابُ وانْحَسرَ الكلام والتَّحاور، بسبب هذه الثورة الاتّصاليّة التي فرقعتْ أنساقَ الدَّلالة وقنواتِ المعنى فاستبدّت العلامةُ بالكلمة والإشارة بالعبارة.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات