لا تخفى أهميّة نصوص الرحلات كمصادر أو وثائق تكميليّة، متفاوتة القيمة
والجدوى، من شأنها أن تضفي على الحقائق التاريخيّة أضواء لا غنى عنها أحيانا. ومن
الرحلات الأجنبيّة التي ظلّت إلى الآن شبهَ مجهولة رحلة الأمير الألماني بوكلير
موسكاو التي صدرت سنة 1836 والتي تروي في ثلاثة من أجزائها الخمسة إقامة هذه
الشخصيّة المرموقة اجتماعيّا وأدبيّا في إيالة تونس من أفريل إلى نوفمبر 1835 .
ولقد مرّت الإيالة، في فترة إقامته بالذات، إثر وفاة حسين باي، بأزمة سياسيّة داخليّة
كان شاكير صاحب الطابع بطلها وضحيّتها في نفس الوقت، ثمّ بأزمة خارجيّة بعد
قدوم أسطول عثمانيّ إلى طرابلس للقضاء على حكم آل قرمنلي. وواكب بوكلير
هذه الأحداث واهتمّ بأبطالها وساق تفاصيل شاهدها بعينه أو سمعها من قنصل
فرنسا أو غيره من المطّلعين على الأمور، ونقل معلومات من شأنها أن تثري البحث
التاريخي.
ولقد لقي هذا السائح المرموق حظوة فائقة لدى الباي الذي سخّر له كل ما احتاج
إليه للقيام بجولة طويلة عبر أرجاء البلاد، فزار خلالها زغوان والقيروان وصفاقس
ومدن الساحل، ثمّ سبيطلة والقصرين والكاف وقرى وادي مجردة، وأبدى جرأة
وتجلّدا على تحمّل مشاقّ السفر، وعاش الكثير من الأحداث الهامّة والمواقف الطريفة
وشاهد أمورا عديدة استرعت انتباهه حينذاك وصارت تهمّنا اليوم. ولعلّنا نجد أنّه
بالغ في الاهتمام بالطبيعة وأسرف في العناية بالخيول والآثار القديمة، وقصّر في
الاهتمام بالبشر من أهل البلاد وعمرانهم ومشاغلهم.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات