لم يُدرَس توسّع مجال علم الجبر بما يستحقه من دقّة وصرامة. وكان، بالخصوص، من الضروريّ التعرّف على الطريق المؤديّة من الماهاني إلى الكرجي ومن خلفوه، فاستوجب ذلك جمع نصوص متفرّقة ومشتّتة في عدّة مكتبات من العالم وتحقيقها تحقيقا علميّا وتحليلها. وهو ما تولّى القيام به الأستاذ مروان بن ميلاد بفضل تكوينه المتين في المنطق الرياضيّ وتاريخ الرياضيّات وإتقانه للغة العربيّة. وانطلاقا من نصوص لم ينشر أغلبها للماهاني وابن عصمة والخازن والأهوازي وابن الهيثم والكرجي والسموأل، تسنّى له التعرّف على تاريخ امتداد مجال الأعداد إلى الكمّيات غير المنطقة، الذي ينبغي في المستقبل إرجاع الفضل فيه إلى علماء الرياضيّات العرب من القرن التاسع إلى القرن الثاني عشر الميلادي. كما قدّم الأستاذ بن ميلاد الطبعة الأولى من تفسير المقالة العاشرة من كتاب أقليدس للماهاني )القرن التاسع م.( وترجمها إلى الفرنسيّة، وهو من أقدم النصوص التي وصلتنا في هذا الميدان. ويعتبر العالم الرياضيّ الكبير الدكتور رشدي راشد أنّ هذا العمل يستجيب لمقتضيات الجودة المعترف بها عالميّا، وأنّه بداية طيّبة للسلسلة الجديدة المخصّصة لتاريخ العلوم التي يعتزم بيت الحكمة إصدارها، إيمانا منه بضرورة التعريف بالبعد العقلاني والكوني للحضارة العربيّة الإسلاميّة وبإسهاماتها في تراث الإنسانية الثقافيّ.