عثر الأستاذ عبد الله معاوية صدفة على هذا الكتاب «رحلة السودان » منقولا إلى
الفرنسية عن نسخة تركيّة عثمانيّة اعتمدت نصّا عربيّا مازال مفقودا إلى اليوم.
كتب هذه الرحلة الشيخ محمد بن علي بن زين العابدين التونسي، والمرجّح أنّه
سافر إلى السودان حوالي سنة 1818 م، فقضّى أوّلا تسعة أشهر بالسنار، ثمّ تحوّل إلى
كردفان حيث التقى بشيخ يقيم هناك منذ ثلاث سنوات، وشاهد غزوة مصر لكردفان
على يدي محمد بك الدفتردار، وزير الخزانة المصري وصهر محمّد علي. ثمّ انتقل
الرفيقان إلى دارفور حيث تميّزت إقامتهما بعدّة مغامرات طريفة وغريبة، وصفها
المؤلف بأسلوب قصصيّ مشوّق، وحدثت حوادث منها وفاة أحد السلاطين وبيعة أخيه
)الذي يدعى محمّدا( خليفة له.
وتبدو شخصيّة محمّد بن علي بن زين العابدين جذابة : فهو رجل شجاع ومغامر
قام بمفرده بسفرة طويلة وشاقة وخطيرة طمعا في الإثراء واكتشاف الكنوز. ولئن
كان يشاطر معاصريه اعتبار أهل السودان ناسا متوحّشين، فقد كان رجلا متفتّحا
يعجب بالكثير مما يشاهد، وملاحظا دقيقا لعادات الشعوب التي زارها وتقاليدها،
مقدّما بذلك معلومات ذات قيمة إثنوغرافيّة وإثنولوجيّة.
ولا شكّ أنّ ترجمة هذا الكتاب إلى العربيّة عمل يندرج ضمن عمليّة إرجاع التراث
الثقافي إلى أهله، رغم ضرورة إخضاع هذا النصّ للتحليل التاريخي الدقيق وللنقد
لاستجلاء مواطن الغموض التي تحفّ بمؤلّفه وبظروف قيامه بهذه الرحلة.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات