سعيا إلى الإسهام في إحياء التراث العربيّ الإسلاميّ، تولّى «بيت الحكمة » تحقيق كتاب «الفوز الأصغر » لمسكويه وترجمته إلى الفرنسية، إذ تغدو الترجمة بمثابة إحياء ثان له، لأنّها تفتح له مجالات انتشار جديدة. ولئن لم يشتهر هذا الكتاب شهرة «رسائل إخوان الصفا » مثلا، فإنّه من حيث النسق الفكري لا يقلّ عنها قيمة : فهو يمتاز بالإيجاز والوضوح وبأسلوبه الحركيّ في الإقناع. كما يتّضح من خلال هذا الكتاب اِطّلاع مسكويه الواسع على آراء فلاسفة اليونان القدامى وبالأخصّ أفلاطون وأرسطو وفرفوريوس. ومن المعلوم أنّ العصر الذي عاش فيه مؤلف الكتاب عصر اضطرابات سياسيّة واجتماعية، ولكن أيضا دينيّة. فالسؤال المحيّر في مثل تلك الظروف : ما سيكون مآل أمّة محمّد عليه الصلاة والسلام ؟ وكيف إثبات متانة أسسها؟ لذا كانت غاية مسكويه إبراز صحّة النبوّة وقيمتها، وكانت المسائل الثلاث التي اهتم بدراستها هي: إثبات الصانع تعالى ووحدانيته وأزليّته، ثمّ إثبات النفس ومكانتها بالنسبة إلى الله والعالم وارتقائها بالمعرفة إلى خالقها، وأخيرا إثبات الوحي ومنزلة الأنبياء، وهي منزلة يمكن أن تبلغها حكمة الحكماء. والمتأمّل في الهوامش والتعاليق التي كتبها كلّ من المحقّق السوري والمترجم الفرنسي يلاحظ توافقا وتكاملا في مواطن عديدة، ممّا سمح بإبراز مكانة مسكويه بالقياس إلى الحكماء اليونانيّين القدامى وضمن فلاسفة عصره.