إنّ المتتبّع لآثار الشّيخ الإمام يتبيّن له أحقيّة هذا العلاّمة في الإفتاء لتمكّنه من فنّ أصول الفقه، بدليل أنّه ألّف حاشية على "تنقيح القرافي في الأصول"، ولاعتماده على القواعد الأصوليّة في فتاويه، حيث جمعت له أكثر من مائة قاعدة أصوليّة.
وكان الشّيخ ابن عاشور مقيّدًا بمذهبه المالكي، لأنّ الأمر الذي سمّي به مفتيًا ثمّ شيخًا للمالكيّة، ينصّ على التزامه بالإفتاء بمذهب إمامه، وذلك لأنّ المفتين في عصره كانوا ينقسمون إلى دائرتين : دائرة مالكيّة ودائرة حنفيّة : وبما أنّ الشّيخ الإمام كان مالكيّ الـمذهب، فإنّ فتاويه كانت مـعزّزة بأدّلة المذهب المالكي في الغالب.
والطّريقة التي توّخاها الشّيخ في الإفتاء هي إبراز الدّليل الصّحيح من المنقول والمعقول : فهو يعتمد أوّلاً على النصّ الشرعيّ، فلقد جمعت له قرابة 200 آية وحديث، ثمّ يعقبه برأي إمام مذهبه وتلامذته وكبار فقهاء المذهب المتقدّمين منهم والمتأخرّين، كما كان الشّيخ يقعّد فتواه بقواعد بلاغيّة ونحويّة، وكان يعود إلى كتب الحديث وشروحها للتّدليل والتّعليل. ولا يكتفي في فتواه بمجرّد الإخبار بالحكم في المسألة المستفتي فيها، بل كان كثيرا ما يقدّم تقريرًا طويل الذّيل، ويأتي على المسألة من كامل أطرافها عندما يطلب منه المستفتي إيضاحا أو إرشـادا، ويظهر ذلك في فتاوى العبادات بالخصوص لأنّ مسـائل الـحلال والحرام والـبدعة والـمنكر تشغـل بال الـمسلمين قديمـا وحديثا.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات