كل ما تتضمنه هذه المحاولة مبتداه من هاتين الآيتين ومنتهاه إليهما. فمطلوبنا ذو صلة مباشرة بالعلاقة التي بين سورة الإسراء ومنزلة الأمة في التاريخ الكوني منذ نشأتها إلى الآن. وقد تأكدت هذه المنزلة في الظروف المحيطة بسعي الأمة لجبر ما انكسر من كيانها وجمع ما انفرط من عقدها. ففيهما تحولت شؤونها إلى هم دولي آل إلى تدخل مباشر في المحددات الأساسية لظرفيتها التاريخية بلغ حد التطاول على مقومات حصانتها الروحية. وسورة الإسراء لكأنها الوصف الدقيق لحال المسلمين اليوم في لحظة المجاهدة التي تحقق الانتقال من رد الفعل إلى الفعل, لذلك فقد جعلنا هاتين الآيتين شعار المحاولة كلها بل وشعار كل التفسير الفلسفي الذي نأمل أن يوفقنا الله في تحقيقه إن شاء الله.
إن استراتيجية القرآن التوحيدية ومنطق السياسة المحمدية وطبيعة الوجه المطلوب منهما والعلاقة بينهما في الحالتين فضلا عن الشِّرعة الخلقية والمنهاج المعرفي [المائدة: 48] كما سنبين في الجزء الأول من هذا الكتاب الأول من هذه المحاولة كل ذلك هو مدلول سورة الإسراء ومفهومها: فالأمة البذرة أو النموذج أسْرَت أعني بكَّرت بالريادة نحو هدف توحيد الإنسانية حول قيم القرآن الكريم لأن رسولها أَسرى به ربُّه فأطلعهُ على الاستراتيجية ليُعد الأمة فتكون السرية التي تحقق هذا الهدف. لذلك كانت غاية السورة تحديد معايير سياسته ومنطقها:
1. أولا: من حيث الاستراتيجية فالقرآن: طريقةُ إنزاله الحقُّ (نقيضه الظلم) ومضمونُ مُنزَلِهِ الحقُّ (نقيضه الباطل) والمضمر الذي لا يجهله أي مسلم هو أن الحقَّ(=الله) هو مصدر الإنزال وأن الحقَّ (=الله) مصدر المُنْزَل.
2. ثانيا: من حيث منطق السياسة والرسول: فهو البشيرُ (=بثمرات تطبيق الاستراتيجية) وهو النذيرُ (=بعواقب عدم تطبيقها) أمده الله بمنهاج التعليم المأمور به (=القراءة على الناس على مكث) وبشرعة التطبيق الواجبة (=التنزيل على النوازل النموذجية وطبعا فالمنزل هنا هو الله من حيث المصدر والنبي صلى الله عليه و سلم من حيث التوسط) والتعليم والتطبيق هما علتا التنجيم }فرقناه...لـ{ وحصر دوره فيهما أي إنه لا يمكن أن ينسب أحد إلى الرسول صلى الله عليه و سلم أمرا آخر }وما..إلا{ بدليل رفض الرسول الإطراء الذي اعتبره علة الغلو المسيحي الذي آل إلى تأليه عيسى-عليه السلام- .
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات