و بناءً على ذلك، نحن نعتقد أنّ الموقف العقلي للعلم الكلاسيكي يُمكن أن يُوسَم بهاتين اللّحظتين المتّصلتين بعضهما ببعض وثيق الاتّصال على كلّ حال: هندسة المكان و انحلال الكوسموس، أعني اضمحلال كل الاعتبارات القائمة على الكوسموس من صلب التّفكير العلمي و استبدال المكان المحسوس للفيزياء ما قبل الغاليلية بالمكان المجرّد للهندسة الإقليديّة. فهذا الاستبدال هو الذي يسمح بوضع قانون العطالة.
و لقد سبق و ذكرنا أنّ هذا الموقف العقليّ كان، في اعتقادنا، ثمرة طفرة حاسمة: و هذا ما يُفسّر لِمَ كان اكتشاف أشياء تبدو لنا اليوم في متناول الصّبيان قد كلّف أعظم عباقرة الإنسانيّة ـــ أمثال غاليلي و ديكارت ـــ مجهودات مُضنية لم تكلّل دائمًا بالنّجاح. ذلك أنّ الأمر لم يكن يتعلّق بمقاومة نظريّات خاطئة أو غير كافية و إنّما بتغيير بُنى العقل ذاته، أعني قلب موقف عقليّ طبيعيّ جدّا في مجمله و استبداله بموقف لم يكن طبيعيّا البتّة. و ذلك ما يُفسّر، ي واقع الأمر، لماذا لا تُواصل الفيزياء الكلاسيكيّة المنبثقة من فكر برونو و غاليلي و ديكارت فيزياء العصر الوسيط.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات