أعدّ المجمع التونسي بيت الحكمة هذه الطبعة الثانية لديوان محمد الشاذلي عطاء الله ) 1899 - 1991 ( بمناسبة الاحتفال بالقيروان عاصمة للثقافة الإسلاميّة. هذا الديوان سِجِلّ، لا فقط بما في حياة صاحبه الغنيّة من جيّاش العواطف، بل بالأحداث الجسام التي مرّت بها البلاد التونسية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى. فالبعد النضالي هو سمة الديوان الأولى، وهو سياسيّ واجتماعيّ وحضاريّ في آن واحد، وقد يصعب على القارئ الفصل بين خطرات الشاعر في خلق المجتمع الجديد وإحياء القيم الحضارية الأصيلة وتحرير البلاد من الاستعمار. وتظهر السّمة الثانية في البعد الديني الذي يبقى به الشاعر وفيّا لتكوينه ونشأته الإسلاميّة. فالإمام الخطيب، مجوّد القرآن في ليالي رمضان، لا يحترف الورع بل يعيش بإيمانه في حلّه وترحاله. وسريعا ما يستجيب له الشعر في المناسبات الدينيّة ومواسم الحجّ المتكرّرة، فيصوغ «إلاهيّاته » و «محمّدياته » التي يبعثها للبقاع المقدّسة مع من أراد أن يحمل هذه الأمانة لتُتلى على القبر الشّريف. أمّا السّمة الثالثة فهي تتمثّل في البعد الإنساني، حيث يظهر عطاء الله الإنسان عاريا من كل كلفة، وترى ذلك في تعامله مع الكون ومع الناس. ومن أبرز ما يبهرك هذا الوفاء العجيب الذي كان وراء «إخوانياته »، فإذا بك تجد في مقطوعاته القصيرة وأبياته المرتجلة من اللمسات الفنيّة المؤثرة ما لا تعثر عليه أحيانا في مطوّلاته.