هذا الكتاب بجزأيه هو رسم لمسيرة بورقيبة وفكره ومواقفه من خلال رؤى محمد الصيّاح السياسية التي التصقت التصاقا شديدا ببورقيبة. سعينا عبر كامل صفحات الكتاب إلى رسم سيرتيْن متداخلتيْن متوافقتيْن في كل التفاصيل والاختيارات. فقد كان محمد الصيّاح المنظّر الرئيسيّ للسيرة البورقيبية، لكنّه ليس مجرّد ناقل للمعلومات والأحداث، أو مجمّعا للوثائق كما يتبادر إلـى الأذهـان أو كما صنّفه ناقدوه، وإن كان ذلك التصنيف لا يخلو من حقيقة، بل هو فاعل رئيسي نجح في نحت بصمته الخاصة عبر اختيار المحاور وصياغتها وتبويبها وتوجيهها وخاصّة تحقيبها، ممّا شكّل توجيها أحاديا للتاريخ الذي اختزله في مسيرة بورقيبة على حساب الزعماء الآخرين الذين ناضلوا من أجل استقلال تونس وبناء دولتها المعاصرة.
فمحمد الصيّاح، كما يبرز في ثنايا هذا الكتاب، لم يكن مجرّد موظف سياسي، أو وزيرا يؤدّي مهمة في اختصاصه لآجال محدّدة ثم يمضي في سبيل حاله، وإنما كان صاحب فكر ورؤية للسياسة وللمجتمع وظّفها في كتابة السيرة البورقيبية. وفرض لعقود طويلة قراءته على الحزب الدستوري وعلى عامّة الشعب في ظل غياب مناخ من الحريّة يسمح بنشر قراءات مغايرة.
اعتمدنا في هذا الكتاب منهجا يقوم على تفكيك سيرة بورقيبة وكشف كثير من الألغاز التي بقيت غامضة وتنتظر إجابات من البورقيبيين ذواتهم. وقد أجاب عنها الصياح ونجحنا في كثير من الأحيان في الحصول على أجوبه واعترافات غير نمطيّة عن سيرة بورقيبة لم يذكرها الصياح من قبل.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات