خاض بورقیبة معارك عدة على امتداد فترة حكمه أبرزت رؤیته السیاسیّة ومواقفه وتركت بصمتھا في السیاسة الدّاخلیة كما في علاقات تونس الخارجیّة.
في ھذا الجزء الثّاني من كتاب الصیّاح كشف لخفایا أھمّ تلك المعارك ودوافعھا، منھا معركته الشرسة مع أحمد بن صالح الذي اعتبر أنّ بورقیبة أطاح به إرضاءًا للوبیات الدّاخلیة والخارجیّة المتنفّذة التي تصدّت للإصلاح حفاظا على مصالحھا.
وكذلك كانت علاقته بالنقابیین وبزعیمھم الحبیب عاشور. فقد خاض معھم معارك وصلت حدّ الصّدام الدموي في إطار رؤیته للدولة التي تعتبر المنظّمات المھنیّة والمدنیّة جزءًا مما یسمیھا الجبھة القومیّة المتمثّلُ دورھا في معاضدة جھود الدولة والحزب الحاكم دون خروج عن السیاسة الرسميّة المعتمدة.
وكانت معركته مع الإسلامیین ھي الأكثر شراسة لأنّه یعتبر أنّ صراعه معھم یتجاوز الصراع السیاسي إلى صراع الوجود.
أمّا معاركه الخارجيّة التي خاضھا مع زعماء عرب في مقدّمتھم جمال عبد الناصر ومعمّر القذّافي، فمردّھا الاعتقاد البورقیبي أنّ الذین یتصدّرون الزعامة من العرب یعیشون خارج الزمن مكتفین بالشعارات والخطب التي لا تغیّر الواقع لأنّھا تقتصر على العاطفة دون عقلانیة تقود إلى حلول واقعیة قابلة للتحقّق. فاختلافه معھم كما یبرز وكما سمّیناه، ھو اختلاف الأزمنة. لذلك لم تكن الوحدة الحقیقیّة معھم ممكنة، واقتصرت العلاقات على المنابر الرسميّة البروتوكولیة.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات