أصبحت المدرسة الصادقيّة اليوم مدرسة كغيرها من المدارس الثانوية العديدة
في بلادنا، لكنّها ظلّت ومازالت تحتلّ مكانا ممتازا في قلوب التونسيين على قدر
مشاركتها في إنشاء تونس اليوم وبروز قيمها وتكوين إطاراتها ومسيّريها، إذ كان
ثلثا هؤلاء من قدماء الصادقيّة.
استعرض الدكتور أحمد عبد السّلام تاريخ هذه المدرسة منذ تأسيسها سنة 1875
إلى اليوم، مبرزا جميع الأطوار التي مرّت بها وتأثرها أكثر من أي معهد آخر
بسير الأحداث التي شهدتها بلادنا في القرن الأخير وبالقيم التي تعلّق بها مجتمعنا
وبالثقافة التي تصوّرها المصلحون التونسيون في الربع الأخير من القرن التاسع
عشر. لقد سطّر خير الدين عند تأسيسه للصادقية برنامج تعليم مستوحًى في معظمه
من برامج المدارس الأوروبية التي كان يُعتقَد أنّها من أسس تقدّم أوروبا، لكنّه سهر
على ترسيخ هذا التكوين العصري على أسس تكوين تقليديّ مواز. هذا الحوار بين
الهويّة والحداثة هو جوهر الثقافة التونسية في نظر النخبة من أبناء هذا الوطن،
والمحافظة على توازن هذين العنصرين مازال شغلهم الشاغل، رغم تغيّر الظروف
السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة.
إنّ أثمن ما في المدرسة الصادقيّة وأبقاه على تصرّفات الدهر، هو من جنس الروح
لا من جنس المادّة. هو تصوّرٌ للعالم ولصلتنا به نشأ أغلبه في الحياة الجماعيّة
التي عاشها تلاميذ هذه المدرسة، وهو ما يعنيه الصادقيون عندما يقولون إنّها مقرّ
«أسرة » وإنّ لها «روحا .
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات