إنّ ما ذهب إليه بعض «العلماء» الأصوليّين من أنّ هذا الكتاب بالذّات، وما هو في معناه من الآثار المنسوبة للإمام السّيوطيّ، لا يمكن أن يصدر عن «رجل له اعتباره معتقديّا وفقهيّا وأدبيّا»، فيقبلون بنسبة بعض هذه المؤلّفات إليه، ويرفضون غيرها، فليس أيسر من الرّدّ على «تذمّمهم» من تذكيرهم أوّلا بأنّ كلّ مصنّفي كتب الباه، في التّراث العربيّ الإسلاميّ، كانوا من المتبحّرين في العلوم الدّينيّة، وهو ما حدا ببعض الدّارسين إلى نعتهم بفقهاء الحبّ. أمّا دليلنا الثّاني فمفاده أنّ السّيوطيّ لم يكن يتقيّد، بفعل نزعته الموسوعيّة، بحدود معيّنة في تدبّره لمعارف زمانه. ولو كان يرى في تناول الشّأن الجنسيّ فعلا ذميما، كما توحي بذلك اعتراضات المتحزّمين للدّفاع عن عفّته وطهرانيّته، لكان اكتفى منه بما ورد ضمن تآليفه في التّفسير والحديث والفقه واللّغة.
والحقيقة، الّتي لا بدّ لكلّ دارس لتراث السّيوطيّ من الإقرار بها، هي أنّ الرّجل كان يدرك تمام الإدراك أنّ «علم الباه» جزء جوهريّ من المنظومة المعرفيّة، وأنّ تناوله من مختلف جوانبه، وخاصّة الجانب الأدبيّ منه، هو ما يكفل له الجدّيّة والعمق والشّمول، وينّزله المقام الّذي هو جدير به في حياة النّاس. ولعلّ اهتمام السّيوطيّ بالشّعر الّذي تناول الجنس في زمانه، وإيراده لنماذج كثيرة منه، وتعهّده بالإصلاح والتّهذيب للموغل منه في «العامّيّة» (كما هو الشّأن مع القصيدة الشّهيرة، الموسومة بـ «الزّنجبيل القاطع في وطء ذات البراقع»، والقصائد الّتي في معناها)، هي خير معبّر عن النزعة العلميّة المتقصّيّة الّتي يصدر عنها في شتّى نشاطاته المعرفيّة.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات