في سنة 1535 ثمّ في سنة 1574 للميلاد، مرّت على البلاد التونسيّة مرحلة عصيبة
لمّا هجم عليها الإسبان بقيادة شارل الخامس ثمّ ابنه دون خوان. وجاءت الهجمتان
في عصر شيخوخة الدولة الحفصيّة التي لم تواجه الخطر إلاّ بالخيانات المتكرّرة،
فانهارت السلطة وتشتّت الوحدة وسقط السلاح وجفّت المنابع الحضاريّة والثقافيّة
وأصبحت البلاد خالية من العلماء، ومن بقي لم يكن في الغالب إلاّ من حشو الفقهاء
الذين لم تكن لهم علاقة بفكر ونظر واجتهاد.
في هذا العصر الأجدب، ظهر أبو القاسم عظّوم الفقيه القيرواني، ولكنه ليس
كفقهاء عصره، لأنّه نظر في أعماق الفكر الفقهي وجمع ونقل وفهم واستفهم ثم
استنتج وقوّم ما اعوجّ وتحجّر من آراء فقهاء زمانه. ففي «أجوبته » تحرّرٌ من أقوال
سابقيه وأحكامٌ جريئة تعتمد الرأي المستنير والتفكير السويّ وقيمة العرف والمصالح
العامّة. وامتازت «أجوبته » بالخصوص باحتوائها على معلومات نادرة وأخبار عن
الأوضاع الاجتماعيّة والتاريخيّة والحضاريّة، تضيف الكثير للتاريخ الحضاري بالبلاد
التونسيّة خلال القرن العاشر الهجري )السّادس عشر الميلادي(.
ولئن اعتنى المجمع التونسي بيت الحكمة «بأجوبة » عظّوم فأصدر معظمها ابتداء
من سنة 2004 ، فقد رأى أن ينشر هذا الكتيّب الموجز بمناسبة الاحتفاء بالقيروان
عاصمة للثّقافة الإسلاميّة حتى يستفيد منه الباحث المؤرّخ ويقرأه المثقف المطالع
ويكتشف الشّباب من طلبة العلم نمطا من أهل العلم في وطنهم.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات