عملنا ضمن مؤلفنا «الجغرافيا الثقافية لأوروبا القرن التاسع عشر في متخيّل الرحّالة العرب» على دراسة مكونات صورة أوروبا أو الغرب كما ارتسمت في أذهان الموفدين العرب في القرن التاسع عشر، كقرن عصيب شهد تحوّلات كبرى على الصعيدين المتوسطي والدولي. ففي ذلك الحين استبد بالحكّام العرب والنخب العالمة شغف كبير بمعرفة أحوال أوروبا بعد أن ثبتت ضبابية الصور الكلاسيكية القديمة الموروثة والمبنية في أزمنة وظروف مغايرة عن زمن وظروف القرن التاسع عشر. فأوفدوا السفراء والمستطلعين، مدونين عشرات المؤلفات في جنس أدب الرحلة كجنس أدبي ألفه العرب منذ قرون. لم تكن مهمة كتّابنا في نقل الواقع الأوروبي بيسيرة، فقد اعترضتهم عقبات عدة: أهمها العوز اللغوي لتسمية مكونات مادية أو غير مادية غربية لم يجدوا ما يقابلها في المعجم العربي، إضافة إلى افتتان أغلبهم بمكتسبات الغرب ما جعلهم يواجهون صعوبات جمّة في نقل تفاصيل الواقع الغربي بأمانة. علاوة على وعيهم بضرورة الاحتراز عند صياغة خطابات مشيدة بتقدم الآخر لجمهور عربي ترسخت في ذهنه منذ قرون صورة عدائية عن آخره الثقافي.