إن التنوّع الثقافي وحوار الحضارات أصبح من مشاغل الإنسانيّة الأولى منذ بضع سنوات، وأتى التصريح العالمي للتنوّع الثقافي ليؤكد على ذلك باعتبار ثوابت لا يمكن التفويت فيها، ترتكز على مقاومة العنصريّة التي انبنت عليها كفاحات الشعوب في القرن الماضي والاعتزاز بالذاتية التي واكبتها. وظهرت في السّنوات الأخيرة كتب غريبة تذهب في تحليل خصوصيّات الثّقافات إلى منحى يعود بنا إلى أطروحات تمّت مقاومتها من قبل، فقرأنا أنّ العقل العربي غير العقل الأوروبي، وأنّ العقل الإسلامي يتنافى مع العقل، كما قرأنا كثيرا من الدّراسات المشبوهة حول العرقيّات. وارتفعت أصوات بعض ممثلي الدول لتبرّر باسم الخصوصيّة الذّاتية والتنوّع الثّقافي ممارسات غير مقبولة، مثل الوضع المزري للمرأة والبتر ونظام الحزب الواحد... باعتبار أنّها تتماشى مع خصوصيّات بعض الثّقافات. هذه أطروحات لابدّ من مجابهتها بصفة جريئة باعتبار أنّ الإنسان واحد، وأنّ العقل واحد، وأنّ مبدأ الحريّة واحد، وأنّ الكرامة تنسحب على كلّ البشر. هذه القواسم المشتركة أكّدت عليها المداخلات في هذا الملتقى انطلاقا من فكرة أساسيّة هي وحدة الإنسان. كما أكدّت على أنّ الحريّة والخلق والزمانيّة والتاريخيّة تجعل البشر حيثما كانوا يتصرّفون فيها وينسجون حولها مواقف وإبداعات. ويظلّ السّؤال المطروح : كيف يمكن إذن فهم المفارقات وتجاوز التناقضات بين هذه الوحدة وذلك التنوّع؟