هذا ديوان عبد الكريم بن محمد القيسي الأندلسي الذي عاش معظم القرن التاسع الهجري في طور الازدهار الفكري والأدبي الثاني والأخير قبل سقوط غرناطة سنة 897 ه/ 1492 م. ويعتبر هذا الديوان آخر ديوان أندلسي، وقد سلم من التلف والضياع ووصلنا كاملا، وهو محفوظ في نسخة فريدة بالخزانة العامّة بالرباط. ولهذا الأثر الشعري قيمة أدبيّة تهمّ مؤرخ الأدب وناقد الشعر ودارس الأسلوب، إذ نتبيّن فيه وضع الشعر في القرن التاسع الهجري بالأندلس. وله أيضا قيمة وثائقية تهمّ حياة الأندلس بمختلف مظاهرها السياسيّة والاجتماعيّة والعلميّة، كما تهمّ مظاهر كثيرة من حياة الأندلس اليوميّة. فقد أشار الشاعر إلى عدّة أحداث عسكريّة هزّت المجتمع الأندلسي في إمارة غرناطة في القرن التاسع الهجري وأغفلت بعضها المصادر التاريخية. كما قدّم لنا صورة عن مجتمعه في تقاليده وعاداته وقيمه وأخلاقه وفي مشاغله الفكرية وبعض خصائصه اللغوية. ولهذا الديوان قيمة ذاتيّة تهمّ حياة الرجل وسيرته وعلاقاته بعديد علماء عصره وكبار رجال الدولة. ففي خصوص حياته تعرّض القيسي إلى ما أصابه من أسر من طرف النصارى وما قاساه من آلام جسديّة ونفسانيّة، كما تعرّض إلى احتراق حانوته، مقرّ عمله ومورد رزقه من قبل بعضٍ من منافسيه وأعدائه. وأمّا في خصوص معاصريه، فقد أشار إليهم في قصائده المدحيّة والرثائيّة والإخوانيّة والعتابيّة أو الهجائيّة، وهم يختلفون في الرتبة والمركز، فمنهم السلطان والوزير وشيخ الغزاة والقاضي والفقيه والشاعر.