كان دواء الكينة معتمَدا في أوروبا منذ منتصف القرن السابع عشر لمداواة حمّى
المستنقعات، لكنّه كان يلقى معارضة في استعماله من قبل بعض الأطبّاء الأوروبيّين
وانتشارا محتشما بل حذرا في أوروبا، في حين اقتحم هذا الدواء الإيالة التونسية بواسطة
أحد المقرّبين من الأسرة المالكة هو الحاج حسين خوجة. فقد كان له السبق في الاستفادة
منه والتعريف به، وهو ما مثّل مساهمة في القضاء على إحدى الجوائح التي كانت تفتك
بعدد كبير من السكّان. ففي سنة 1690 سافر حسين خوجة إلى بلاد الإفرنج للتداوي
فاطّلع على آخر المكتشفات الطبيّة فيها وتحادث مع الأطباء المختصّين. ولاشكّ أنّ هذه
السفرة، وربّما غيرها من السفرات، هي التي وجّهت اهتمامه إلى العلوم الصحيحة ولاسيّما
الطبيّة، خاصّة أنّه عند عودته جلب كمّية من قشر «الكينة كينة » وقدّم منها لأناس
مصابين بحمّى المستنقعات.
وفي هذا الكتيّب : «الأسرار الكمينة بأحوال الكينة كينة » يبدو حسين خوجة طبيبا
ناصحا وحكيما مجرّبا وصيدليّا ماهرا وعارفا حاذقا بأمور العلاج والوقاية والتغذية
الصحيّة السليمة وأساليب النقاهة. ولكن لابدّ من التنبيه إلى أنّ ركيزة كتيّبه هذا كان
رسالة أرسلها إليه الحكيم «أنسانو »، إذ يشير إليه دائما بقوله : «قال صاحب الأصل »
أو «قال مصنّفها »، مؤكدا أنّه اكتفى بإخراج الرسالة من «ضيق العجمة إلى فيحاء
العربيّة ». إلاّ أنّه في الواقع كان أقرب إلى الاقتباس والتصرّف منه إلى الترجمة الحرفيّة
للمصدر الذي اعتمده.
ولقد لقي هذا الكتيّب استحسانا من مثقّفي العصر، خاصّة أنّ البلاد كانت تعاني وقتها
)سنة 1726 ( من ويلات الوباء وأخطاره، كما دلّت على ذلك كثرة التقاريظ الموجّهة
إلى مؤلّفه حسين خوجة.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات