من المعلوم أنّ العرب بدأوا بالاقتباس إذ أخذوا الطبّ من مصدرين أساسيّين :
مصدر يونانيّ وآخر هنديّ، وتعهّدته مدارس عديدة في الإسكندريّة وأنطاكية وحرّان
وجنديسابور، واعتنى بعض أطباء السريان والفرس بترجمة بعض كتبه إلى جماعة
من العرب. وفي مستهلّ العصر العباسيّ نقلت إلى العربيّة مؤلّفات لأبقراط وجالينوس
وجملة من كتب الهنود في خواصّ الحشائش واستخراج العقاقير وشفاء الأمراض.
لكنّ العرب تجاوزوا مرحلة النقل عندما مارسوا التطبيب والجراحة والتشريح وعندما
عالجوا العلوم الطبيّة بالشّرح والتعليق حينا، وبالنّقد والتّصحيح حينا آخر. ثمّ في
مرحلة ثالثة تهيّأ لهم أن يصنّفوا المصنّفات القيّمة.
من هذه المصنّفات اختار مؤلّفا هذا الكتاب «القانون في الطبّ » لابن سينا
و «الملكي » لعلي بن العباس المجوسي و «الحاوي » لأبي بكر الرّازي و «التّيسير »
لابن زهر و «الكليّات في الطبّ » لابن رشد و «التّعريف لمن عجز عن التّأليف » لأبي
القاسم الزّهراوي و «زاد المسافر وقوت الحاضر » لابن الجزّار القيروانيّ.
كلّ هذه المصنّفات أتت حافلة بالكشوف والاستنباطات، من ذلك معالجة الشّلل
والاسترخاء بالأدوية المبرّدة بدلا من الحارّة، واستخدام الماء البارد لقطع النّزيف،
والتفنّن في جراحة العين، واكتشاف الدورة الدمويّة الصغرى وإظهار منافع التّشريح.
ولقد جروا في هذا العلم في اتّجاه التخصّص )انظر كتاب «تشريح الدماغ عند ابن
سينا » الصادر عن «بيت الحكمة » سنة 2002 (.
ولئن كانت هذه العلوم قد تجاوزت الآن المدى الذي أوصلها إليه الطبّ العربيّ
الإسلاميّ، فإنّ فضله فيما أدّاه في سبيل تقدّمها ورقيّها لم يطمسه التّاريخ.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات