يرسم هذا الكتاب معالم المرور من الفيزياء الكلاسيكيّة إلى الفيزياء المعاصرة
بدءا من ديمقريط ومرورا بأرسطو ثم غاليلي ونيوتن ودالنبار ووصولا إلى اينشتاين
وبلانك وباولي.
لقد تطوّرت الفيزياء الكمّية في اتجاه تجريديّ تصاعديّ جعل فهمها في منتهى
الصعوبة، وأصبح من المستحيل رسم صورة ملموسة لما يحدث في الكون المجهريّ.
والسبب في هذه الاستحالة هو أنّ المفاهيم التي نلتجئ إليها عند الحديث عن الكون
المرئي المعتاد لا تفي بتأويل عالم القسيمات العنصرية المجهريّ ولا تليق حينئذ
بتصويره، وهذا ما اضطرّ الفيزياء الحديثة إلى تغيير تفكيرها تغييرا جذريّا.
إنّ السؤال الأساسيّ أصبح إذن : بما أنّ العمليّات الأوّلية لا يمكن تحليلها، فهل يعني
ذلك أنّ ما يحدث على المستوى المجهريّ ناتج عن محض صدفة لا نستطيع حسابها؟
أو بعبارة أخرى هل يفقد مبدأ السببيّة كلّ صحّته؟ والجواب هو أنّ الميكانيكا الكمّية
تعترف بوجود سببيّة، لكنّ تلك السببيّة لا تسمح بتنبّؤات يقينيّة بل تسمح فقط
باحتمال حدوث هذا الحادث أو ذاك، وفقا لقانون من النوع الإحصائيّ لعدد كبير من
الحالات. وهكذا اضطرّت الفيزياء الجديدة إلى التخلّي عن المعرفة اليقينيّة واكتفت
بالمعالجة الإحصائيّة الصرف.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات