منذ أقدم العصور، اتّخذ الإنسان من الطبيعة وسطا يعيش فيه ويستمدّ منه قوّته،
كما اتّخذ منها مرجعا ومصدرا أساسيّا لإلهامه، فشكّلت الطّبيعة ركيزة لتأمّلاته
الفلسفيّة ومرجعيّة لقيمه الأخلاقيّة، ممّا أتاح له تحديد مكانته في العالم، معتبرا
نفسه صاحب البيت بلا منازع.
وتعرّضت الطّبيعة – غداة الثّورة الصناعيّة – إلى استغلال مستمرّ، أصبح بمرّ
السّنين اغتصابا حقيقيّا للبيئة، فارتفعت الأصوات في شتّى بلدان العالم متسائلة : هل
يمكن للإنسان أن يواصل العيش فيها في المستقبل كما فعل في الماضي؟
لقد أصبحنا اليوم أكثر حساسيّة تجاه المشاكل المنجرّة عن علاقة الإنسان
بالطّبيعة. ولئن اعْتُبِرَ الإنسان كائنا طبيعيّا، فقد عُدّ أيضا كائنا ثقافيّا، لكنّ علاقته
بالطبيعة غَدَتْ اليوم أكثر تأزّما. نعيش إذن أزمة هي في نفس الوقت أزمة الإنسان
وأزمة الطّبيعة وأزمة التاريخ.
إن الملتقى الّذي انعقد «ببيت الحكمة » تناول هذا الموضوع بالدّرس وكان فرصة
لتفكير معمّق متعدّد الاختصاصات. وقد ضمّ فلاسفة واختصاصيّين في البيولوجيا
وعلم الطبيعة ومؤرّخين وآثارييّن من تونس ومن عدّة بلدان شقيقة وصديقة، تولّوا
معالجة هذه القضايا التي أضحت من أخطر التحدّيات التي تواجه الإنسانيّة.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات