من بين وثائق خير الدين الخاصّة، تُعتبر رسائل الجنرال حسين إليه أوفرها عددا،
إذ بلغت 319 وثيقة، وتمتاز بتنوّعها، فلم تقتصر على الشؤون الإداريّة والسياسيّة بل
تناولت العلاقات الشخصيّة والمواقف الفكريّة والعاطفيّة، كاشفة بذلك الصلات التي
توطّدت بين مرسِلها والمرسَل إليه في مختلف أطوار حياتهما. ويعدّ الجنرال حسين رجل
الإصلاح الثاني بعد خير الدين، إذ تولّى مناصب حكوميّة هامّة وتميّز بذكائه ودبلوماسيّته
واتساع معارفه في المهامّ الحسّاسة التي أوكلت إليه، فكان أوّل رئيس مجلس بلديّ في
تونس سنة 1858 ، كما تولّى مهمّات التعليم والأشغال العامّة عندما كان خير الدين
متقلّدا مهامّ الوزارة الأولى. لكنّه بعد سقوط وزارة خير الدين ) 1878 ( اضطرّ إلى
الاغتراب والاستقرار بإيطاليا، ورافقه في هجرته صديقه الشيخ سالم بوحاجب. وقضّى
سنواته الأخيرة في ضيق مادّي وفترت علاقته بخير الدين، خصوصا بعد أن طلّق ابنته
سنة 1885 معتذرا بفارق السنّ وبظروف حياته وبتدهور صحّته. ولم يمنع ذلك خير
الدين من التدخّل لدى الدولة العثمانيّة لمّا توفي حسين، إذ حملت رفاته على بارجة
حربيّة إلى استانبول حيث دفن.
والمتأمّل في هذه الرسائل يكتشف تفاصيل ضافية عن الظروف السياسيّة التي كتبت
وأرسلت فيها، وعن القضايا التي شغلت المصلحين التونسيّين، خصوصا مسألة الاقتراض
من الدول الأوروبية التي كبّلت الإيالة التونسيّة بالديون وأدّت إلى فقدانها حرّيتها
ووقوعها في قبضة الاستعمار. أمّا أسلوب الرسائل فهو قريب من لغة التخاطب الشائعة بين
المثقّفين في ذلك العصر، مع كثرة الألفاظ العاميّة والأجنبيّة والصيغ غير الفصيحة،
واحتفظ المحقّق بنصّها ولم ير فائدة في إصلاحها.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات