من الضّروري منهجيّا ومن الوجيه منطقيّا أن ننطلق في التّأسيس لمسار بحث معاكس لما ألفناه في المصادر لصورة الفقير والمهمش في الغرب الإسلامي ومن ضمنها بلاد إفريقيّة. ولعلّ من شأن هذا المسار الجديد في البحث أن يقود حتما إلى إمكان التأسيس لصورة مغايرة للفقراء والمهمّشين وذلك عند رفع اللثام عمّا هو موجود في طيّات أمهات المصادر والكتب ويكون في بعض الأوقات أعسر من ولادة مفهوم جديد. وفي هذا الإطار فإننا نحاول في عملنا أن نسلّط الضوء على فئة لا تنتمي إلى نخب المال والدين والسلطة السياسية، وإنما ترزح تحت وطأة تلك النخب التي احتلت المواقع السفلى في مختلف التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية. وسنحاول من خلال هذه الدراسة إحداث كتابة تاريخ جديد يؤرخ للفئات الفقيرة والمهمّشة التي أهملتها كتب التاريخ وذابت صورتها في صلب المجتمعات قديما وحديثا وخاصّة زمن العولمة. كان اهتممنا بصورة الفقير والمهمش في ثقافة المجتمع الحفصي وفي الذهنية الدينية لدى علماء الدين والمؤرخين من الناحية المهنية والأخلاقية والاجتماعية (كظاهرة التسول والسرقة وإيتاء الفواحش وتعاطي السحر) ونظرتهم التي راوحت بين الإقصاء تارة (إقصاء الفئات الفقيرة والمهمّشة اجتماعيا من الخطط التي توارثتها بيوتات الحسب والنّسب في المجتمع الحفصي) والتعاطف تارة أخرى. وتناولنا البعد المفاهيمي لمصطلح الفقر والتهميش من الناحية اللغوية والناحية الاصطلاحية لدى علماء الاجتماع والأنتروبولوجيا وعلماء التاريخ وغيرهم. وأنتجت الظروف الاقتصادية والسياسية تآزرا وصلات اجتماعية بين أفراد المجتمع الحفصي-الخاصة والعامة- بالفقراء والمستضعفين من المهمّشين من خلال العديد من مظاهر التكافل. إضافة إلى تركيزنا أيضا على الأسباب العميقة والمباشرة التي أدّت إلى تدهور وضعية الفئات الفقيرة وأدت إلى تعميق الهوّة بين أغنياء المجتمع وفقرائه وهو ما ولّد العديد من الثورات والتمرد على الأوضاع السائدة زمن الحكّام الحفصيين.