ليس هذا الكتاب كتاب منطق، ولا يسعى لأن يكون كذلك، بل ويعتبر المنطق ضربا من التكلف غير المجدي، لكنه في الوقت ذاته كتاب برهان على الوقائع، وغايته أن يثبت عدم صواب ادعاءات صلاحية المنطق الإنساني في فهم حراك الجماعات وسيرورتها، وهو بالمقابل يدعي أن للجماعات منطقها الخاص لا يمكن بأي حال أن يفهم دونما متابعة طويلة للأحداث الاجتماعية وفهم عميق لها. فيأتي هذا الكتاب للاستدلال على تهافت مسلمة كبرى من مسلمات البشر اليوم، وهي تلك المسلمة القائلة بأن المجتمعات الغربية اليوم مؤسَّسة على مبدأ العقل، وهي المسلمة ذاتها التي تدفع المجتمعات الأخرى لتجعل منه مثالا تصبو لتحقيقه، بينما ليس الأمر في الحقيقة إلا سردية وأقصوصة خيالية أو بمعنى أدق أسطورة لا تجد لها سندا لا في التاريخ ولا في الوقائع، فلا المجتمعات الحديثة في الغرب بنيت على مبدأ العقل كما هو التصور السائد ولا المجتمعات الشرقية التي تسعى لتحقيق حداثتها بمستطاعها النهوض برفع شعار العقل أيضا.