لقد احتار المؤرخون و الفلاسفة في تفسير ظاهرة أسطرة نيتشه، و اختلفوا في تشخيص أسباب الشهرة الكبيرة التي حازها في أوساط الثقافة الأورووبية.
في أفكار نيتشه يمكن لأيّ أحد أن يعثر، في نفس الوقت، على كل ما يحتاجه و على نقيضه؟ مع الإغريق، معجبا بهم و كارها لهم، مع الفنّ و ضدّه، مع الموسيقى و الرومنطيقية و التراجيديا و فاغنر و شوبنهاور و الميتافيزيقا و الدين و الأسطورة و العلم و التنوير و ضدّها جميعا.
أتباعه يؤكدون على أن فلسفته هي في جوهرها فلسفة التحرّر من أسر الدين و السياسة و السلطة، و بالجملة من كل ما يكبّل اندفاعة الإنسان نحو الإبداع الحق و التحرر الشامل. نسلّم جدلا أن هذا صحيح، رغم الشكوك التي تحوم حوله، لكن السؤال هو إلى من يخصّص صاحب نظرية قلب القيم هذا التحرر؟ و هنا نتفطّن إلى حقيقة أن نيتشه نفسه قد أجهض هذا التحرر أو أعدمه كليا، حينما خصصه فقط لعدد قليل من الإنسانية، الأرستقراطية، أمّا البقية الباقية أي السواد الأعظم فإنهم في خدمة هذه الطبقة و عليهم أن يبقوا كذلك.
نيتشه الّذي ضرب في كل المواضع و خاض في جميع الجبهات، أعطى لكلٍّ حصّته، و بالتساوي، دون تفريط : للمسلمين، للعبيد، للشعوب المستعمرة، للاشتراكيين، للعلماء، للطبقة الشغيلة، لهؤلاء جميعا أخرج لهم من جعبته أبشع ما يتصوره العقل من شتائم و إهانات. و لا يمكن أن يخفى عن شاتم الإنسانية هذا عنصرا من عناصرها المحورية ألا و هو المرأة. و في حقها فإن نيتشه فتق مواهبه العنصرية، و قال فيها كلاما يُرجعنا إلى أحلك فترات القرون الوسطى. و يبدو أن خطابه المضاد للأنوثة عموما بقي إرثه الخالد للفكر الرجعي و الحركات الظلامية التي تستلهمه من حين لآخر لتأصيل مواقفها التفاضلية المناهضة لفكرة المساواة.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات