إنّ التضخّم العملاق للمعرفة يبرهن وحده على أن ثمّة مكانا للحكمة التي لم
تنته مهمّتها والتي لم تقل كلمتها الأخيرة. ولاشكّ أنّ نداءات الاستغاثة الموجّهة
من الأطباء أنفسهم ومن المهندسين وصنّاع القرار السياسي أو من رؤساء المؤسّسات
وكذلك من «الاختصاصيّين » في الأخلاقيّات والعلوم الإنسانيّة وغيرهم، تعبّر عن
بلبلة عميقة وحيرة مأساويّة. وما «اللجان المشتركة للغرض » في منظّمة اليونسكو
واللجان الوطنية للأخلاقيّات الطبيّة وغيرها إلاّ بمثابة ما يطفو قليلا من جبل الجليد
الغائص في البحر.
ولكن أليست هذه الاستغاثات طريقة للتخلّص من المشاكل وإثقال كاهل الغير
بها، في خصوص القرارات التي يتعيّن اتّخاذها ؟ وبالأساس هل يوجد «اختصاصيّون »
في الأخلاقيّات وخبراء في الحكمة حتى يكونوا في هذا المجال «قادة الفكر » في
العالم؟ وهل يمكن بعد قرنين كاملين من الانتقادات الموجّهة للفلسفة ولمبحث
العلوم أن نعود بكلّ بساطة إلى الآراء القديمة المنادية بحكمة تسوس العالم؟
أجمع المشاركون في هذا الملتقى على أنّ عصرنا يحتاج، أكثر من أي عصر آخر،
إلى الحكمة، نظرا بالذات إلى تقدّم المعرفة وتضخّمها : لابدّ من ردّ الاعتبار للحكمة،
ولكن لابدّ أن يعيد الإنسان ربط الصلة بنفسه. ولا يجوز أن يتمّ ذلك على عجل
وبصفة مشوّشة، بل ينبغي أن تستعيد الروح النقديّة وحسّ التفكير وظائفهما، دون
الاستحياء من مجابهة ما يقال إنّه لائق…
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات