في الوقت الذي كانت المدينة تنتزع حرّيتها في الساحل الشمالي للمتوسّط، كانت مدن الحوض الجنوبي ترزح تحت استبداد السلاطين. ورغم الظروف الملائمة لتأهيل المجتمع الحضري إلى لعب دور هام في العهد الحفصي مثل تفكك العلاقات الدموية وبداية ظهور نوع من الإنتماء الجغرافي في إطار انصهار تدريجي للمكونات الاجتماعية التي تعيش داخل المدينة، فإن المراقبة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية التي سلّطها الفقهاء على المجتمع، قد تسبّبت في ركوده النسبي، وفي وجود عقليّة ميّزها الإحباط والخوف من المستقبل، فلجأت إلى غير المعقول لكي تصطدم بالواقع. وكانت التحرّكات الاجتماعيّة بطيئة وغير منظّمة، أغرقتها أول دعوة دينية ببلاد المغرب دون عصبية ولا عنف، وهي حركة المتصوّفين والزّوايا.
وبقي المجتمع الحضري مقصوص الجناحين يعوزه المال والسلاح، أي تعوزه السيطرة الاقتصادية والقدرة على التنظّم، وهو ما ساعد السلطان على تهميشه. وبذلك فقدت المدينة لمدة ثلاثة قرون ونصف(!!!) كل ديناميكية تحوّل، ولم يكن لها أيّ دور سياسي تلعبه، فقد كان الدور الأساسي يتداوله السلطان من جهة، والأعراب من جهة أخرى.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات