منذ الفتح العربي لإفريقيّة، لم ينفكّ المسلمون بأرض المغرب الإسلامي تنطلق من بينهم كلّ عام الجماعات تلو الجماعات في الرحلة للحجّ أو العمرة، ومنذ ذلك التاريخ حرص أهل المغرب الإسلامي على الاستماع إلى أحاديث من أدّى الفريضة، وهو يروي أخبار رحلته إلى البقاع المقدّسة بالحجاز، معدّدا أهوال السفر وأخطاره برّا وبحرا، واصفا نعيم الزيارة لمكّة وطيبة. وسرعان ما أصبحت هذه الأخبار لا تُروى فحسب بل تُدوّن بالكتابة، وغدت الرحلات الحجازيّة بمثابة الدليل لقاصدي بيت الله الحرام، تعرّفهم بمناسك الحجّ وفضائله وترشدهم إلى المسالك ومختلف المراحل عبر الممالك. ومن أقدم ما وصل إلينا من هذه الرحلات الحجازيّة رحلة ابن جبير التي امتازت بوفرة المعلومات ودقّتها. ثم نسج على منواله ابن سعيد المغربي والعبدري والتجّاني وابن رشيد والتجيبي وخالد البلوي وابن بطّوطة ومحمّد بن عثمان السنوسي وغيرهم. ويجد قارئ هذا الكتاب معلومات عن رحلات هؤلاء الرحّالة الذين تحدّثوا عن تاريخ الكعبة المشرّفة وكسوتها وعن المسجد الحرام وما جدّ فيه من ترميمات وتحسينات وعن أخبار القوافل القاصدة بيت الله، وخاصة منها قوافل حجيج المغرب الإسلاميّ. كما يجد القارئ شذرات من مراسلات قناصل فرنسا بمدينة جدّة، وهي تتعلّق بأوضاع قوافل الحجّ في الفترة الممتدّة من سنة 1850 إلى سنة 1886 ، وفيها أيضا إحصاء تقريبيّ لعدد الحجّاج ومعلومات عن الأوضاع الصحيّة في مواسم الحجّ، الخ…