انكبّت مجموعة من الباحثين الجامعيّين على دراسة تاريخ تونس باعتماد مقاربة
جديدة تتمثل في البحث عمّا قامت به مختلف الشرائح والفئات والطبقات الاجتماعية
من أدوار مختلفة. واختار الدّارسون أن يهتمّوا، لا بنخب المال والدين والسلطة
السياسيّة، بل بالعناصر الاجتماعيّة التي رزحت تحت سيطرة تلك النخب، وهي
العناصر التي احتلّت دائما المواقع السفلى والوسطى في البلاد منذ أقدم العصور.
ومن المعلوم أنّ المصادر التاريخيّة لا تركّز في الغالب إلاّ على الجوانب العسكريّة
والسياسيّة والدينيّة، ولا تعير اهتماما بالفاعلين الاجتماعيّين «الصّامتين » الذين لم
يدوّنوا تاريخهم بأنفسهم نظرا إلى ما كانوا عليه من أميّة دامسة.
لهذا، فإنّ معرفتنا ببعض جوانب تاريخ الشرائح المغيّبة لا يمكن أن تتمّ إلاّ بعد
غربلة نقديّة شاقّة ومريرة لما تركته الشرائح الاجتماعيّة المهيمنة من تراث يتّصل
بتاريخها هي دون سواها. وما يوجد في هذا التراث عن الشرائح الشعبيّة عدائيّ أو
مغرض، إذ يتهمها بالفتنة والفساد، والجهل والهمجيّة.
وتغطّي الدراسات فترة أولى مترامية الأطراف سابقة لسنة 1881 ، في حين تغطّي
الفترة الثانية ما بعد سنة 1881 . وتعتبر هذه السنة علامة فارقة في تاريخ البلاد، إذ
انجرّ عن انتصاب الحماية تركيز نمط الإنتاج الرأسمالي. ومن بين الدراسات الستّة
عشر نذكر بعض العناوين : الخَمّاسة بين التشريع والواقع، خبز الأغنياء وخبز
الفقراء، الفقراء والزوايا بوسط إفريقية، دور اللوبيّين في حرب المرتزقة، صغار
الكَسَبة في تونس من حرفيّين وتجّار، إلخ …
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات