تفتّحت تونس في القرون 17 و 18 و 19 م إلى المؤثّرات الأجنبيّة وتطوّرت فيها
ظروف الحياة والثقافة، لذلك امتدّت أطروحة الدكتور أحمد عبد السلام إلى مجال
أوسع من مجال كتب التاريخ والتراجم الضيّق لتشمل مؤلفات ظهرت في القرن التاسع
عشر، كانت الغاية منها المشاركة في النشاط السياسي مثل «أقوم المسالك » لخير
الدّين و «صفوة الاعتبار » لمحمّد بيرم الخامس وأغلب مؤلّفات محمّد السنوسي.
وتناولت الأطروحة في قسمها الأوّل الحياة الفكرية وثقافة المؤرخين، واستعرضت في
قسمها الثاني المؤلفين ومؤلّفاتهم بدءا بالمنتصر بن أبي لحية )القرن 17 م( وانتهاء
إلى محمد السنوسي )القرن 19 م( وتطرّقت في قسمها الثالث إلى نظريّات المؤرخين
ومناهجهم وأساليبهم.
وتُطلِعنا هذه المؤلفات بمحتواها وبآراء أصحابها وطرائقهم ولغتهم على مدى
الانهيار الذي أصاب البلاد في آخر القرن السادس عشر وأوهن بنيتها السياسيّة
والاجتماعيّة ونشاطها الاقتصاديّ والفكريّ وقيمها الثقافيّة، كما تطلعنا بصورة أكثر
دقة مما يظنّ أغلب الناس على المجهود الذي بُذِلَ طيلة ثلاثة قرون لبناء توازن
جديد ولتلافي التقهقر. ولم يخفق ذلك المجهود دائما، رغم الاضطرابات السياسيّة
والمصاعب المختلفة. لكن نجاحه النسبيّ لم يمكّن تونس – عندما فرضت عليها ظروف
القرن التاسع عشر أن تنفتح لتأثير الغرب – من أن تقابل ذلك التأثير بقوة الدفاع
التي لا تملكها إلاّ المجتمعات القويّة والمتجدّدة باستمرار. لذلك ظهر عليها في ذلك
القرن التردّد والتمنّع والتباس الأمور، مع أطوار غريبة من التسيّب والاستسلام.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات