تكثّفت الجهود، في العشريّات الأخيرة، لإصدار العديد من الدّراسات الرّشديّة في شكل
كتب أو مقالات، حتى أصبحت الحاجة ملحّة إلى جردها وإحصائها. ومازالت عدّة مسائل
تستحقّ المزيد من البحث والتعمّق. والتأمت خلال سنة 1998 وقبلها عدّة ملتقيات
للاحتفاء بالذكرى المائويّة الثّامنة على وفاة الفيلسوف الأندلسي الكبير. بل وقع نوع
من التنافس الجميل بين الشّرق )العراق، مصر، المغرب، الكويت...( وبين الغرب )ألمانيا،
فرنسا، إسبانيا...( لإحياء هذه الذكرى. وشارك المجمع التّونسي، فنظّم هذه الندوة
بمساهمة من الألكسو واليونسكو.
أجمع المتدخّلون على أنّ لابن رشد رسالة تعنينا جميعا أكثر من أيّ وقت مضى.
فقد أدرك الكثيرون اليوم أنّنا لم ننتبه دائما، على مدى تاريخنا الطويل، إلى فحوى هذه
الرسالة. إنّها تقوم على فكرة أساسيّة : الإنسان في هذا الكون عرضة للتقلّبات والمحن
ولما يحمله التاريخ من أحداث لا عقلانية. وهو وحيد وحدة مريرة في مجابهته لقوى
الطبيعة ولا ملاذ له غير العقل للبحث عن الحقيقة. هذا الإيمان بالعقل الّذي نلمسه في
كلّ ما خلّفه ابن رشد من آثار، كما نلمسه فيما نعرف عن حياته العامّة والخاصّة هو
الذي ميّزه عن غيره من المفكّرين وعن المتصوّفين أيضا. ألم يقل الرّسول الكريم :
اطلب العلم ولو في الصّين؟ فقد ذهب ابن رشد إلى أقرب من الصّين، إلى اليونان حيث
وجد ضالّته عند أرسطو، صاحب «المنطق »، فألّف شروحه الثلاثة «لكتاب النّفس ،»
وأبدع إبداعا جعلنا لا نعرف بالضبط أين تنتهي الأرسطيّة وأين تبدأ الرّشديّة.
لقد سبق أن أصدرت الألكسو فعاليّات هذه النّدوة باللّغة العربيّة. أمّا هذا العمل التألّيفي
باللّغة الفرنسيّة فقد تولّى إعداده الأستاذ مقداد عرفة منسيّة، وتمّ نشره في هذا الكتاب
بمشاركة منظمة اليونسكو.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات