بداهة ؛ للأديان مكانة مرموقة و دور حاسم في حياة الأفراد و الأمم، فتعاليمها ينابيع الحياة الروحية، إذ بهديها يستنير المؤمن، و لا يضل الصراط المستقيم، وهي ملهمة الورع و العروة الوثقى للصلة بالحيّ القيّوم الأحد. وعلاوة على هذا الجانب الروحي العقائدي المحض فإنّ للأديان أثرًا عميقا في تنظيم ما يرتاده المؤمن منن الفضاءات. فطقوسها عامل بالغ الأهميّة في تهيئة العمران بما تستوجبه من إنشاء أماكن للعبادة و التعبّد، مع ما يضفي ذلك على وتيرة الحياة اليومية طابعا مميّزا. وتهتم جغرافيا الأديان بوصف هذه الظواهر الطقسية و ما يستتبع ذلك من نمط مميّز للسلوكيات اليوميّة، بل تتخطى ذلك بالوقوف على الأثر العميق للأديان، بما تحلله و تحرمه، على النظم الغذائية، مثلا، ومن ثمّة على الحياة الفلاحية و الاقتصادية بل و السياسية.
وأفرزت التّيارات الفكرية المهتمة بالجوانب النفسية و الوجودية كما الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية للفرد إيديولوجيات تميّزت برؤى وتصوّرات مستحدثة لوضعه و دوره في هذه المجالات. وهو ما أدّى بالشأن الديني إلى منعطفات أنشأت أزمات و تناقضات طبعته في العمق أحيانا، مع ما في ذلك من تنوعات هذه الظاهرة بين الأديان ؛ إذ إن الإسلام خرج منها معزّزا كما بينه بول كلافال في هذا المصنّف. ونجم عن العولمة الاقتصادية و شمولتها ظهور الطوائف و النحل بمختلف مشاربها و مآربها، فما هي دواعي ذلك؟ و ماهي نتائجه في المستقبل القريب و البعيد؟ يتناول بول كلافال كلّ هذه المسائل بالدرس محلّلا عواملها و مفككّا تعقيداتها باعتماد منهجية متطورة لمقاربة جغرافيا الأديان تجاوزت الاقتصار على الجانب الوصفي بإدماجها لمستجدات العلوم الإنسانية كعلم السلالات و علم الأناسة و العلوم الاجتماعية بتفرعاتها. ويعمد لسبر تاريخي للشأن الديني منذ الأزمة الغابرة و للإيديولوجيات من بداياتها حتّى وقتنا الحالي، وهو ما يضفي ميزة خاصة على هذا المصنف، و على ما يعرضه من جوانب معرفية و منهجية محفزة للقارئ العربي، ومثرية للمكتبة العربية بمقاربة لأحد أهم جوانب الحياة المعاصرة و رهاناتها المستقبلية.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات