ما فتئ سؤال الأصل يطرح في الفنّ و فلسفة الجمال و الأدب بطرق مختلفة و ألفاظ شديدة التّنوّع، يمكن حصرها في صياغتين مختلفتين: أولاهما تربط الأصل بمشكل المحاكاة. و أبلغ مثال على ذلك نظرية المحاكاة عند أفلاطون و أرسطو. أمّا ثانيهما فتربط الأصل بمشكل الخلق. أي ظهور شيء من شيء ك"الولادة"، أو ظهور شيء بفَنَاء شيء و تلاشيه، أو اختفائه ب"الالتهام".. فالأصل في الفنّ و الأدب هو اليتم بما هو كتابة لا تنوب الأب/المؤلّف، و لا تحلّ محلّه كحلول الوريث بعد موته أو قتله. (...) و قد وجدنا لهذا القتل المؤسّس في الأدب العربي القديم ثلاث صور أنموذجية:
1/ صورة "الدَّيْن la dette"، حين يقتل الابن أباه، و عندئذ يؤسّس القتل الأصل على شاكلة "فقيد" ينبغي استحضار ذكراه ، فيضحي الأدب عملا جنائزيّا تّحيى فيه ذكرى الأب على نحو مستمرّ.
2/ صورة الحداد le deuil ، و لا تكون إلّا عندما يقتل الأب ابنه و يتخلّص منه، و حينئذ يؤسّس القتلّ الأصلَ على أنّه شوق إلى مستحيل متمثّل في استعادة الأصل. و في هذه الحالة، يضحي الأدب بهذا المعنى تكرارا لا يتوقّف للعودة إلى الأصل أو استعادته لتملّكه.
3/ صورة الافتقار le manque ، فحين يعود جثمان الأب، أو جسد الأب الميّت بين الأحياء في شكل كتاب، فإنّ الموت يؤسّس الأصل بوصفه ذاكرة قد فقدت أفق انتظارها. و عندئذ يضحي الأدب بهذا الاعتبار نسيانا للأصل كثيرا ما يتّخذ صورة الهجرة و الرّحيل.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات