جمعنا في الجزء الثاني من "عيوننا الأخرى" عددا آخر من المقالات كنّا نشرناها في بعض الصحف و المجلات العربيّة في فترات مختلفة، و انعطفنا من خلالها على بعض النصوص الحديثة بالنظر و التأمّل راصدين أهمّ الأسئلة الفنّيّة و المعرفيّة التي انطوت عليها. فالنصّ الأدبيّ، كما بات مقرّرا في النقد الحديث، إنّما ينهض بوظيفة مزدوجة: فهو ينهض، من جهة أولى، بوظيفة جماليّة ترتبط بطبيعة الخطاب الأدبي و بطرائق تصريف القول فيه، كما ينهض من جهة ثانية، بوظيفة معرفيّة تتّصل بالرؤى الجماليّة و المواقف الفنّية التي تشكّل مجتمعة تصوّر صاحبه لفعل الكتابة. و لمّا كان الأدب الحديث يقوم على جدل داخليّ ينعقد بين الممارسة النصّية و التفكير فيها و جدل خارجيّ ينعقد بينها و بين غيرها من النصوص فنحن لم نكتف بالانعطاف على قراءة النصوص بوصفها خطابا فنّيّا يشعّ بدلالات شتّى بل قرأناها بوصفها فضاء تتماوج فيه النصوص في حال من التآلف و التدافع و التقارب و التباعد. لهذا حاولنا الحفر في طبقات النصّ باحثين عن النصوص التي تخفّت في أعماقه السريّة، مسلّطين الضوء على منابتها الأولى. فالمتقبّل لا يمكن أن يلج فضاء النصّ الحديث إلاّ إذا استحضر النصوص الغائبة يفكّ رموزها و يفضّ مغلقها. هذه النصوص هي المفاتيح التي تتيح له الدخول إلى هذا النصّ و استقصاء أبعاده الدلاليّة و الجماليّة.