صدر هذا الكتاب منذ نحو قرنين، وساهم في التعريف بالعالم العربيّ والإسلاميّ في أوروبا. أمّا اليوم فهو يسمح للقارئ – علاوة على أهميّته العلميّة – بالعودة إلى الماضي لفهم طريقة تكوين اختصاصٍ أضحى علما بأتمّ معنى الكلمة، وذلك بفضل عزيمة صاحبه، «سلفستر دي صاسي ». هذه «الشذور من منظوم ومنثور » منقولة في قسمها الأدبيّ عن الشنفرى والنابغة الذبياني والأعشى والمتنبي والمعرّي والطنطراني وابن الفارض والهمذاني والحريري، وفي قسمها التاريخيّ الحضاريّ عن ابن الطقطقى وابن خلدون والمقريزي والظاهري والأنصاري الحنبلي وغيرهم. وهي تتيح التفكير في أهميّة دور الترجمة وفي الأسس الأخلاقيّة لمسار «دي صاسي » المثالي. يبرز في هذا الكتاب تبحّر صاحبه، كما تتجلّى خصاله المجمعيّة والبيداغوجيّة، ومعرفته الجيّدة بأدقّ خصائص اللغة العربيّة ومفاهيمها، إذ يريد - بواسطة الترجمة- النّفاذ إلى روحها، سواء في صورها الشعريّة أو في كتابتها للتاريخ. إنّ ما يستحقّ التنويه في هذا الكتاب هو نزعته الإنسيّة الراغبة في فهم الآخر من خلال لغته ومخياله ودينه وتاريخه وآدابه. إنّها نزعة حداثيّة لا ينفصل فيها حبّ المعرفة عن السعي إلى اكتشاف الآخر، لا إلى إخضاعه.