بمناسبة الاحتفاء بالقيروان عاصمة للثقافة الإسلامية رأى المجمع التونسي
«بيت الحكمة » أن يعيد طبع كتاب العمدة لابن رشيق ) 1000 - 1064 (، خاصّة أنه
لا توجد ضمن الطبعات المتداولة «طبعة مرضيّة ومقبولة » كما قال الدكتور
الشاذلي بويحيى. لقد ظلّ هذا الكتاب، إلى أيّامنا، المصنّف الأساسي في «صناعة »
الشعر، إذ اعتبر العرب دوما أن الشعر فنّ – مصنوعا كان أو مطبوعا – أكثر ممّا
هو قريحة أو بديهة. وهذا الشعر الذي يجيده المحدثون كما يجيده القدماء هو في
نظر ابن رشيق أفضل من النثر شكلا ومضمونا. وتتوقّف قيمته على عناصره المكوّنة
)اللفظ والوزن والمعنى والقافية( كما تتوقف على ذكاء الشاعر وبراعته في تناول
الأغراض الشعريّة بنفس اليسر والسهولة وملاءمة شعره لما يقتضيه الموضوع
والمناسبات وجمهور السامعين. وينتهي الكتاب بمعلومات تتعلّق بحياة العرب وبشتّى
المعارف التي من شأنها أن تنمّي موهبة الشّاعر.
وتوجد في العدد الوافر من الاستشهادات الشعريّة المتنوّعة والمنقودة ما يضفي
على الكتاب صبغة أدبيّة تجعله رائقا ومفيدا. وتتخلّل صفحات «العمدة » أحكام رشيدة
ومعلّلة تعطي ابن رشيق مكانة مرموقة في مصافّ أكبر نقّاد الأدب عند العرب.
والأبلغ من ذلك أن ابن رشيق يستند غالبا – بالإضافة إلى الأعلام التقليديّين في
الأدب وكلّهم مشارقة – إلى شيوخه الإفريقيّين الّذين يعتمدهم مرجعا وحجّة في
عدد من القضايا الكبرى المتعلّقة بصناعة الشعر أو بالنقد الأدبيّ. وبذلك فإنّ ابن
رشيق هو أحسن الممثّلين للثقافة العربيّة والإفريقيّة في آن وأكثرهم تألّقا.
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات